شرح معلقة عنتره هل سألت الخيل
شرح معلقة عنتره
1-هَلْ غَادَرَ الشّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ ... أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدّارَ
بَعْدَ تَوَهُّمِ
المتردم: الموضع الذي يسترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن والوهي، والتردم أيضًا مثل الترنم، وهو ترجيع الصوت مع تحزين.
يقول: هل تركت الشعراء موضعًا مسترقعًا إلا وقد رقعوه وأصلحوه؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، أي لم يترك الشعراء شيئًا يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغه فيه، وتحرير المعنى: لم يترك الأول للآخر شيئًا، أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعًا أرقعه ومستصلحًا أصلحه، وإن حملته على الوجه الثاني كان المعنى: إنهم لم يتركوا شيئًا إلا رجعوا نغماتهم بإنشاء الشعر وإنشاده في وصفه ورصفه، ثم أضرب عن هذا الكلام وأخذ في فن آخر فقال مخاطبًا لنفسه: هل عرفت دار عشيقتك بعد شكّك فيها، وأم ههنا معناه بل أعرفت، وقد تكون أم بمعنى بل مع همزة الاستفهام، كما قال الأخطل: [الكامل] :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام ممن الرباب خيالا
أي بل أرأيت، ويجوز أن تكون هل ههنا بمعنى قد كقوله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَان} [الإنسان: 1] أي قد أتى.
2-يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمِي ... وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي
الجو: الوادي والجمع الجواء، والجواء في البيت موضع بعينه. عبلة: اسم عشيقته، وقد سبق القول في قوله: عِمِي صباحًا.
يقول: يا دار حبيبتي بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا، ثم أضرب عن استخباره إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار حبيبتي.
المتردم: الموضع الذي يسترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن والوهي، والتردم أيضًا مثل الترنم، وهو ترجيع الصوت مع تحزين.
يقول: هل تركت الشعراء موضعًا مسترقعًا إلا وقد رقعوه وأصلحوه؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، أي لم يترك الشعراء شيئًا يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغه فيه، وتحرير المعنى: لم يترك الأول للآخر شيئًا، أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعًا أرقعه ومستصلحًا أصلحه، وإن حملته على الوجه الثاني كان المعنى: إنهم لم يتركوا شيئًا إلا رجعوا نغماتهم بإنشاء الشعر وإنشاده في وصفه ورصفه، ثم أضرب عن هذا الكلام وأخذ في فن آخر فقال مخاطبًا لنفسه: هل عرفت دار عشيقتك بعد شكّك فيها، وأم ههنا معناه بل أعرفت، وقد تكون أم بمعنى بل مع همزة الاستفهام، كما قال الأخطل: [الكامل] :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام ممن الرباب خيالا
أي بل أرأيت، ويجوز أن تكون هل ههنا بمعنى قد كقوله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَان} [الإنسان: 1] أي قد أتى.
2-يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمِي ... وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي
الجو: الوادي والجمع الجواء، والجواء في البيت موضع بعينه. عبلة: اسم عشيقته، وقد سبق القول في قوله: عِمِي صباحًا.
يقول: يا دار حبيبتي بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا، ثم أضرب عن استخباره إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار حبيبتي.
3-فَوَقَفْتُ فِيها نَاقَتي وكَأَنَّها ... فَدَنٌ لأَقْضِيَ حَاجَةَ الْمُتَلَوِّمِ
الفدن: القصر، والجمع الأفدان. المتلوم: المتمكث.
يقول: حبست ناقتي في دار حبيبتي، ثم شبه الناقة بقصر في عظمها وضخم جرمها، ثم قال: إنما حبستها ووقفتها فيها لأقضي حاجة المتمكث بجزعي من فراقها وبكائي على أيام وصالها.
4-وَتَحُلّ عَبْلَةُ بالْجِوَاءِ وَأَهْلُنَا ... بالْحَزْنِ فَالصَّمَانِ فَالْمُتَثَلَّمِ
يقول: وهي نازلة بهذا الموضع وأهلنا نازلون بهذه المواضع.
5-حُيّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ... أقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمّ الْهَيْثَمِ
الإقواء والإقفار: الخلاء، جمع بينهما لضرب من التأكيد كما قال طرفة: [الطويل] :
متى أدن منه ينأ عني ويبعد
جمع بين النأي والبعد لضرب من التأكيد. أم الهيثم: كنية عبلة.
يقول: حييت من جملة الأطلال، أن خُصِّصْتَ بالتحية من بينها، ثم أخبر أنه قدم عهده بأهله وقد خلا عن السكان بعد ارتحال حبيبته عنه.
6-حَلّتْ بِأَرْضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحَتْ ... عَسِرًا عَلَيّ طِلابُكَ ابنَةَ مَخْرَمِ
الزائرون: الأعداء، جعلهم يزأرون زئير الأسد، شبه توعدهم وتهددهم بزئير الأسد.
يقول: نزلت الحبيبة بأرض أعدائي فعسر عليّ طلبها، وأضرب عن الخبر في الظاهر إلى الخطاب، وهو شائع في الكلام، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ} [يونس: 22] .
7-عُلّقْتُهَا عَرَضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا ... زَعْمًا لعَمْرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَمِ
قوله: عرضًا، أي فجأة من غير قصد له. التعليق هنا: التفعيل من العَلَق والعلاقة وهما العشق والهوى، يقال: علِق فلان بفلانة، إذا كَلِف بها عَلَقًا وعلاقة.
العَمْر والعُمْر، بفتح العين وضمها: الحياة والبقاء، ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين. الزَّعم: الطمع. والمزعم: المطمع.
يقول: عشقتها وشغفت بها مفاجأة من غير قصد مني، أي نظرت إليها نظرة أكسبتني شغفًا وكلفًا مع قتلي قومها، أي مع ما بيننا من القتال، ثم قال: أطمع في حبك طمعًا لا موضع له؛ لأنه لا يمكنني الظفر بوصالك مع ما بين الحيين من القتال والمعاداة، والتقدير: أزعم زعمًا ليس بمزعم أقسم بحياة أبيك أنه كذلك.
8-وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةَ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ
يقول: وقد نزلت من قلبي منزلة من يحب ويكرم فتيقّني هذا واعلميه قطعًا ولا تظني غيره.
9-كَيْفَ الْمَزَارُ وَقَدْ تَرَبّعَ أَهْلُهَا ... بِعُنَيْزَتَيْنِ وَأَهْلُنَا بِالغَيْلَمِ
يقول: كيف يمكنني أن أزورها وقد أقام أهلها زمن الربيع بهذين الموضعين وأهلنا بهذا الموضع وبينهما مسافة بعيدة ومشقة مديدة؟ أي كيف يتأتى لها زيارتها وبين حلتي وحلتها مسافة؟ المزار في البيت: مصدر كالزيارة. التربع: الإقامة زمن الربيع.
10-إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الفِرَاقَ فَإِنَّمَا ... زُمّتْ رِكَابُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ
الإزماع: توطين النفس على الشيء. الركاب: الإبل، لا واحد لها من لفظها، وقال الفراء: واحدها ركوب مثل قلوص وقلاص.
يقول: وإن وطنت نفسك على الفراق وعزمت عليه فإني قد شعرت به بِزَمِّكم1 إبلكم ليلًا، وقيل: بل معناه قد عزمت على الفراق إبلكم قد زُمَّت بليل مظلم، فإن، على القول الأول حرف شرط، وعلى القول الثاني حرف تأكيد.
11-مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُولَةُ أَهْلِهَا ... وَسْطَ الدّيارِ تَسَفّ حَبَّ الْخِمخِمِ
راعه روعًا: أفزعه. الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها. وسْطَ بتسكين السين، لا يكون إلا ظرفًا، والوسَط، بفتح السين، اسم لما بين طرفي الشيء. الخمخم: نبت تعلفه الإبل. السف والاستفاف معروفان.
يقول: ما أفزعني إلا استفاف إبلها حب الخمخم وسط الديار، أي ما أنذرني بارتحالها إلا انقضاء مدة الانتجاع والكلأ، فإذا انقضت مدة الانتجاع علمت أنها ترتحل إلى ديار حيّها.
12-فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً ... سُودًا كخافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ
الحلوبة: جمع الحلوب عند البصريين، وكذلك قتوبة وقتوب1 وركوبة وركوب، وقال غيرهم: هي بمعنى محلوب، وفعول إذا كان بمعنى المفعول جاز أن تلحقه تاء التأنيث عندهم. الأسحم: الأسود. الخوافي من الجناح: أربع من ريشها، والجناح عند أكثر الأئمة: ستة عشر ريشة، أربع قوادم وأربع خوافٍ وأربع مناكب وأربع أباهر، وقال بعضهم: بل هي عشرون ريشة وأربع منها كُلى.
يقول: في حمولتها اثنتان وأربعون ناقة تحلب سودًا كخوافي الغراب الأسود، ذكر سوادها دون سائر الألوان لأنها أنفس الإبل وأعزها عندهم، وصف رهط عشيقته بالغنى والتموّل.
13-إِذْ تَسْتَبِيكَ بذي غُرُوبٍ وَاضِحٍ ... عَذْبٍ مُقَبّلُهُ لَذِيذِ الْمَطْعَمِ
الاستباء والسبي واحد. غرب كل شيء: حدّه والجمع غُروب، الوضوح: البياض. المقبل: موضع التقبل. المطعم: الطعم.
يقول: إنما كان فزعك من ارتحالها حين تستبيك بثغر ذي حدة واضح عذب موضع التقبيل منه ولذ مطعمه، أراد بالغروب الأشر2 التي تكون في أسنان الشواب، وتحرير المعنى: تستبيك بذي أشر يستعذب تقبيله ويستلذ طعم ريقه.
14-وَكَأَنّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسيمَةٍ ... سَبَقَتْ عَوَارِضَهَا إِلَيكَ من الفَمِ
أراد بالتاجر: العطار. سميت فارة المسك فارة لأن الروائح الطيبة تفور منها، والأصل فائرة فخففت فقيل فارة، كما يقال: رجل خائل مال وخال مال، إذا كان
حسن القيام عليه، القسامة: الحسن والصباحة، والفعل قَسُم يَقْسُمُ، والنعت قسيم، والتقسيم والتحسين، ومنه قول العجاج: [الرجز] :
ورب هذا الأثر المقسَّم
أي المحسن، يعني مقام إبراهيم عليه السلام. العوارض من الأسنان معروفة. يقول: وكأن فارة مسك عطار بنكهة امرأة حسناء سبقت عوارضها إليك من فيها، شبه طيب نكهتها بطيب ريح المسك، أي تسبق نكهتها الطيبة عوارضها إذا رمت تقبيلها.
15-أَوْ رَوْضَةً أُنُفًا تَضَمّن نَبْتَهَا ... غَيْثٌ قَليلُ الدِّمْنِ ليسَ بِمَعْلَمِ
روضة أُنُف: لم ترع بعد، وكأس أنف استؤنف الشرب بها، وأمر أنف مستأنف، وأصله كله من الاستئناف والائتناف وهما بمعنى. الدِّمَن والدِّمْن: جمع دمنة وهي السرجين1.
يقول: وكأن فارة تاجر أو روضة لم ترع بعد وقد زكا نبتها وساقه مطر لم يكن معه سرجين، وليست الروضة بمعلم تطؤه الدواب والناس.
يقول: طيب نكهتها كطيب ريح فارة المسك أو كطيب ريح روضة ناضرة لم ترع، ولم يصبها سرجين ينقص طيب ريحها، ولا وطئتها الدواب فينقص نضرتها وطيب ريحها.
16-جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كالدّرْهَمِ
البَكر من السحاب: السابق مطره، والجمع الأبكار. الحُرَّة: الخالصة من البرد والريح. والحر من كل شيء: خالصه وجيده، ومنه طين حُرّ لم يخالطه رمل، ومنه أحرار البقول وهي التي تؤكل منها، وَحَرّ المملوك خلص من الرق، وأرض حرة لا خراج عليها، وثوب حر لا عيب فيه. ويروى: جادت عليه كل عين ثرة. العين: مطر أيام لا يقلع. والثرة والثرثارة: الكثيرة الماء، القرارة: الحفرة
يقول: مطرت على هذه الروضة كل سحابة سابقة المطر لا برد معها، أو كل مطر يدوم أيامًا ويكثر ماؤه حتى تركت كل حفرة كالدرهم، لاستدارتها بالماء وبياض مائها وصفائه.
17-سَحًّا وَتَسْكابًا فَكُلَّ عَشِيّةٍ ... يَجْرِي عَلَيهَا الْمَاءُ لَمْ يَتَصَرّمِ
السَّحُّ: الصّب والانصباب جميعًا والفعل سح يسح. التسكاب: السكب، يقال: سكبت الماء أسكبه سكبا فسكب هو يسكب سكوبا. التصرم الانقطاع.
يقول: أصابها المطر الجود صبًّا وسكبًا فكل عشية يجري عليها ماء السحاب ولم ينقطع عنها.
18-وَخَلَا الذُّبابُ بِهَا فَلَيْسَ بِبَارحٍ ... غَرِدًا كَفِعْلِ الشَّارِبِ الْمُتَرَنِّمِ
البراح: الزوال، والفعل برح يبرح. التغريد: التصويت، والفعل غرّد، والنعت غُرِدٌ. الترنم: ترديد الصوت بضرب من التلحين.
يقول: وخلت الذباب بهذه الروضة فلا يزايلنها ويصوتن تصويت شارب الخمر حين رجع صوته بالغناء، شبه أصواتها بالغناء.
19-هَزِجًا يَحُكّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ ... قَدْحَ الْمُكِبّ عَلَى الزّنادِ الأَجْذَمِ
هزجًا: مصوّتًا. المكب: المقبل على الشيء. الأجذم: الناقص اليد.
يقول: يصوّت الذباب حال حكِّه إحدى ذراعيه بالأخرى مثل قدح رجل ناقص اليد النار من الزندين. لما شبه طيب نكهة هذه المرأة بطيب نسيم الروضة بالغ في وصف الروضة وأمعن في نعتها ليكون ريحها أطيب ثم عاد إلى النسيب فقال:
20-تُمْسِي وَتُصْبحُ فَوْقَ ظَهْرِ حشيّةٍ ... وَأَبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أَدهَمَ مُلجِمِ
السراة: أعلى الظهر.
يقول: تصبح وتمسي فوق فراش وطيء وأبيت أنا فوق ظهر فرس أدهم ملجم، يقول: هي تتنعم وأنا أقاسي شدائد الأسفار والحروب.
21-وَحَشِيّتِي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى ... نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ نبيلِ الْمَحْزِمِ